تهدف معالجة اللغة الطبيعية الى تطوير قدرة الحواسيب على فهم اللغة الطبيعية وتحليلها والتفاعل معها بإنتاج استجابة محددة, كما أنها تدخل في العديد من الاستخدامات.
تخيل كيف سيبدو العالم لولا تطبيقات ترجمة اللغات المختلفة, هل سيكون بمستوى التطور الذي هو عليه الآن؟ بالطبع لا, لأن ذلك سيحد من تواصلنا مع أشخاص من لغات مختلفة وهذا بدوره يقلل من تبادل الخبرات والمعارف, بالإضافة الى صعوبة التعاون ومشاركة الأبحاث والمعلومات بين الشركات والباحثين من لغات مختلفة, هذا ما سيكون عليه الحال لولا معالجة اللغة الطبيعية, حيث ظهرت بشكل فعلي في الخمسينات وكانت أول مشاريعها مشروع Georgetown-IBM الذي نجح في ترجمة 60 جملة روسية الى اللغة الإنجليزية.
معالجة اللغة الطبيعية لها دور فعال وبارز في ظهور تطبيقات الترجمة الفورية وعلى رأسها الشهير Google Translate والذي يوفر ترجمة فورية للنصوص والمحادثات والصور مما يساعد في التواصل اليومي والسفر والعمل, بالإضافة الى روبوتات الدردشة الشهيرة وغيرها من التطبيقات, ولكن ما هي معالجة اللغة الطبيعية تحديدا وما أهميتها وما الاستخدامات اليومية لها, وما الأسباب التي قد تدفعك لتعلمها, هذا ما سنناقشه في هذا المقال.
معالجة اللغة الطبيعية هي فرع من فروع الذكاء الاصطناعي, الذي يهدف الى جعل الأنظمة الحاسوبية قادرة على فهم وتحليل اللغة البشرية-تسمى اللغة الطبيعية- والتفاعل معها على اختلافها, سواء أكانت نصا مكتوبا مثل النص الذي تكتبه في تطبيق Google Translate أو غيره من تطبيقات الترجمة, أو نصا مسموعا, ليس ذلك فحسب بل أيضا تمكنهم من فهم نوايا ومشاعر الكاتب. [1]
تستخدم معالجة اللغة الطبيعية علوم متعددة لتتمكن من فهم لغة البشر بطريقة مشابهة لتواصل البشر مع بعضهم البعض, مثل علم اللغويات الحاسوبية الذي يختص بدراسة اللغة من حيث كيفية تكوين الكلمات وفهم هيكلة الجمل, و استخدام نماذج إحصائية لاكتشاف الأنماط في البيانات اللغوية واستخدامها في الترجمة والتصنيف, بالإضافة الى أنظمة التعلم الآلي و التعلم العميق.
في الواقع أنت تعاملت مع العديد من تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية حتى لو لم تدرك ذلك, تظهر هذه التطبيقات في أشكال مختلفة مثل أنظمة تحديد المواقع GPS التي تعمل بالصوت, وتطبيقات الترجمة, وبرامج تحويل الكلام الى نص, وروبوتات الدردشة مثل شات جي بي تي, وغيرها من البرامج.
تتعامل الآلات والأنظمة الذكية بشكل عام مع كميات كبيرة من البيانات غير المنظمة والتي تكون مدخلة بلغة البشر, وهذا يصعب عملية تحليل هذه البيانات وفهم الأوامر الناتجة عنها, لكن بوجود معالجة اللغة الطبيعية بات الأمر أكثر سهولة حيث أصبحت قدرة الآلات على فهم واستخدام اللغة البشرية مشابهة لكيفية تواصل البشر مع بعضهم البعض, هذا يعني أن الآلات يمكنها فهم وتحليل ملايين الوثائق النصية أو سجلات الحوارات بطريقة فعالة وسريعة، بينما يمكن أن تكون هذه المهمة متعبة ومضيعة للوقت إذا كان يقوم البشر بها. [2]
قد تفوق قدرة الحواسيب على تفسير اللغة البشرية قدرة البشر أنفسهم وخصوصا في ظل وجود العديد من اللغات واللهجات داخل كل لغة, فضلا عن الأخطاء النحوية التي قد يرتكبها البشر أثناء كتابة نص ما, والأهم من ذلك أن الحواسيب قادرة على فحص النصوص وتحليلها بسرعة وتحديد الأنماط والاتجاهات والمعلومات الرئيسية دون التأثر بالعوامل الإنسانية مثل التعب أو التحيز, هذا يسمح بتحليل البيانات بشكل متسق وموثوق مما يجعلها قيمة للعديد من التطبيقات في مختلف المجالات.
من أهمية معالجة اللغة الطبيعية كذلك, السماح للحواسيب بقراءة النصوص المكتوبة وفهم محتواها, هذا يمكن أن يكون مفيدا في العديد من التطبيقات مثل قراءة وتحليل المستندات النصية أو استخراج المعلومات من المقالات والأبحاث, ليس هذا فحسب, بل أيضا تتيح لها القدرة على الاستماع الى الكلام المنطوق وتحويله الى نص يمكن معالجته وتحليله, هذا تماما ما يحدث في تطبيقات التعرف على الكلام والمساعد الصوتي مثل Siri وغيرها.
لا تقتصر أهمية معالجة اللغة الطبيعية على فهم النص فحسب, بل أيضا يمكنها تحديد المشاعر والاتجاهات العاطفية في النص, على سبيل المثال يمكنها تحديد ما إذا كان النص يعبر عن شعور إيجابي أو سلبي, وهذا يكون مفيدا في حالات مثل تقييم ردود الفعل على المنتجات والخدمات.
لتتمكن الأنظمة الحاسوبية من فهم اللغة البشرية أو اللغة الطبيعية لابد من تحليل النص من حيث ترتيب الكلمات في الجملة و من حيث فهم المعنى المراد من الكلمة, وهما ما يعرفان ب: تحليل بناء الجملة Syntax Analysis و التحليل الدلالي Semantic Analysis, لكل واحد منهما تقنيات متعددة, لنبدأ بتقنيات تحليل بناء الجملة Syntax Analysis :
لنفهم أولا معنى تحليل بناء الجملة Syntax Analysis: هي عملية تتمثل في تحليل هيكل الجملة اللغوية وترتيب الكلمات فيها وفقا لقواعد النحو الصحيحة, يهدف تحليل الصياغة إلى فهم كيفية تكوين الجمل والتركيب النحوي الصحيح لها، مما يساعد في استخلاص المعاني وفهم النصوص بشكل أفضل.
من الطرق المستخدمة للقيام ب Syntax Analysis أو تحليل بناء الجملة: [3]
انا: فاعل, أحب: فعل, اللغة العربية: مفعول به.
يمكن التحدي هنا في أن العديد من الكلمات قد تحتمل أكثر من معنى حسب سياق الجملة فكيف سيتغلب النموذج على هذا الغموض, مثلا قد تأتي كلمة "سحب" بمعنى الغيوم أو عملية جر شيء ما (يسحب), وفي اللغة الإنجليزية كذلك, لنأخذ مثلا كلمة Book قد تأتي بمعنى كتاب أو بمعنى يحجز حسب سياق الجملة.
تم التغلب على هذا الغموض من خلال تدريب النموذج على مجموعات النصوص, وهي نصوص تم وضع علامات عليها أي تم تحديد أجزاء الكلام فيها لكل كلمة (اسم, فعل الخ), بهذه الطريقة يتعلم النموذج كيفية استخدام هذه الكلمات في سياقات مختلفة من خلال تعلم قواعد اللغة.
على سبيل المثال: يمكن تحويل الكلمات "يفكر", "فكر", "تفكير" إلى الكلمة الأساسية "فكر".
ويمكن تحويل الكلمات "كتاب", "كتب", "كتابة" إلى الكلمة الأساسية "كتب".
وفي اللغة الإنجليزية يتم إرجاع كلمة huge الى big, الكلمات مثل running و ran و runner ترجع الى الجذر run.
الكلمات مثل am, is, are ترجع الى الجذر be.
فمثلا الكلمة الإنجليزية happily قد تزال منها "ly" لتصبح happi بدون الـ "y"، وكتابة هذه الكلمة غير صحيحة وهذا يمكن أن يؤدي إلى فهم غير دقيق.
لكن بالرغم من هذا, إلا أنها مهمة لتصحيح الأخطاء الإملائية كما أنها تتميز بسرعة وسهولة التنفيذ مما يجعلها مناسبة للتطبيقات واسعة النطاق, بالإضافة الى أنها تؤدي الى تحسين كفاءة خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية من خلال تقليل عدد الكلمات التي يجب معالجتها.
أما عن Semantic Analysis فهي عملية تهدف إلى فهم وتفسير المعاني المختلفة للكلمات والجمل في سياقها, وتقنيات معالجة اللغة الطبيعية المستخدمة لذلك هي: [4]
لنأخذ الجملة التالية: He saw a bat flying in the sky, كلمة bat قد تحتمل معنيين, الأول خفاش والثاني مضرب, ولكن حسب سياق الجملة سيتم تفسير الكلمة على أنها خفاش.
يمكنك أيضا الاطلاع على المقال الآتية عن تضمين الكلمات وهي تقنية أخرى في معالجة اللغة الطبيعية:
كيف يمكن تضمين الكلمات باستخدام Word2vec؟
تدخل معالجة اللغة الطبيعية في العديد من الاستخدامات دون أن تعي ذلك, من ضمن هذه الاستخدامات: [5]
يستخدم Google تقنيات معالجة اللغة الطبيعية المتقدمة لفهم سياق استفسارك بشكل أعمق، بدلا من الاعتماد فقط على كلمات البحث المحددة, فمع بدء الكتابة، يتنبأ بعمليات البحث الشائعة ذات الصلة باستفسارك، ويفهم ما تحاول قوله بدقة، حتى لو لم تكن قد عبرت عنه بكلمات دقيقة, لذلك يظهر آلة حاسبة عند كتابة معادلة رياضية في مربع البحث.
بفضل معالجة اللغة الطبيعية, امتلكت هذه المساعدات الافتراضية القدرة على فهم أنماط الكلام بسبب خاصية التعرف على الصوت, فإنها تجيب على أسئلتنا بغض النظر عن الأسلوب الذي تم استخدامه وتحلل ما قلناه ثم تقدم الاستجابة المطلوبة.
على سبيل المثال أصبح بإمكان المستخدمين طرح أسئلة بسيطة باستخدام اللغة الطبيعية بأي لغة يريدونها للتفاعل مع الرسوم البيانية والبيانات مثل: ما هي أكثر المنتجات شعبية في هذا الربع؟ أو كيف تغيرت مبيعاتنا خلال العام الماضي؟, باستخدام لغة بسيطة تفهم أدوات تحليل البيانات هذه الأسئلة وتستخدم تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لفهم المعنى المقصود, ثم تستخرج المعلومات ذات الصلة من البيانات وتقديمها للمستخدم في شكل سهل الفهم.
هذا من شأنه أن يؤدي الى زيادة الوصول الى أشخاص أكثر داخل المؤسسات بما في ذلك أولئك الذين ليس لديهم خبرة تقنية متقدمة.
لماذا قد نسلط الضوء على علم كمعالجة اللغة الطبيعية, لما لها أهمية كبيرة في العديد من المجالات كما ذكرنا سابقا بالإضافة الى الأسباب الآتية:
1. زيادة فرص العمل: مع زيادة اعتماد الشركات على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، يتزايد الطلب على المتخصصين في معالجة اللغة الطبيعية.
2.تحسين المهارات التقنية: تعلمها يعزز مهارات البرمجة والتحليل لديك، مما يجعلك أكثر قدرة على التعامل مع مجموعة متنوعة من المشكلات التقنية.
3. تطوير التطبيقات الذكية: القدرة على تطوير تطبيقات تعتمد على اللغة الطبيعية مثل المساعدات الافتراضية، أدوات التحليل النصي، وترجمة النصوص.
4.تحليل البيانات الضخمة: استخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لاستخراج معلومات قيمة من مجموعات البيانات الضخمة غير المنظمة مثل النصوص والمحادثات.
5. الابتكار في البحث العلمي: تسهيل البحث في مجالات متعددة مثل اللغويات، علم النفس، والطب من خلال تحليل النصوص والأبحاث بطريقة أكثر فعالية.
6. تحسين تجربة المستخدم: تصميم واجهات مستخدم ذكية وتفاعلية تعتمد على اللغة الطبيعية، مما يحسن تجربة المستخدم ويسهل التفاعل مع التكنولوجيا.
أما عن الفئات التي تستفيد من تعلم معالجة اللغة الطبيعية:
1. المهندسون والمطورون: خاصة الذين يعملون في مجالات تطوير البرمجيات، الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات.
2. محللو البيانات: الذين يحتاجون إلى أدوات قوية لتحليل النصوص واستخراج البيانات.
3. الباحثون الأكاديميون: في مجالات مثل اللغويات، علم النفس، والعلوم الاجتماعية الذين يستخدمون النصوص كبيانات للبحث.
4. مدراء الأعمال: الذين يرغبون في فهم أفضل للسوق والعملاء من خلال تحليل النصوص والمحادثات.
5. الصحفيون وكتّاب المحتوى: الذين يستفيدون من تقنيات تحليل النصوص لتحسين البحث وإنشاء المحتوى.
6. خبراء التسويق: الذين يمكنهم استخدام تحليل النصوص لفهم توجهات العملاء والمحتوى الأكثر تأثيرا.
7. الأطباء والباحثون في المجال الطبي: الذين يستخدمون تحليل النصوص لاستخراج المعلومات من الأبحاث الطبية والسجلات الصحية.
الخاتمة
برزت معالجة اللغة الطبيعية كعلم مهم جدا, حيث طورت قدرة الأنظمة الحاسوبية على فهم وتحليل اللغة الطبيعية و التفاعل معها، سواء كانت مكتوبة أو مسموعة، وفهم نوايا ومشاعر الكاتب, من خلال علوم مثل
مثل اللغويات الحاسوبية والنماذج الإحصائية وأنظمة التعلم الآلي والتعلم العميق.
تستخدم معالجة اللغة الطبيعية في العديد من التطبيقات مثل أنظمة تحديد المواقع الصوتية، تطبيقات الترجمة، برامج تحويل الكلام إلى نص، وروبوتات الدردشة.
يتيح تعلم معالجة اللغة الطبيعية فرص عمل مجزية في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات وتطوير التطبيقات، كما يعزز مهارات البرمجة والتحليل ويُتيح استخراج معلومات قيمة من البيانات الضخمة.
وبشكلٍ عام، يعد تعلم معالجة اللغة الطبيعية استثمارا ذا فوائد جمة على الصعيدين الشخصي والمهني, والآن بعد قراءتك لهذا المقال, هل اتخذت قرارك بتعلمها؟
المصادر